تعريف الفن التشكيلي:-
هو كل شيء يؤخذ من الواقع، ويصاغ بصياغة جديدة.. أي يشكل تشكيلاً جديداً. وهذا ما نطلق عليه كلمة (التشكيل).
التشكيلي:-
هو
الفنان الباحث الذي يقوم بصياغة الأشكال آخذاً مفرداته من محيطه ولكل
إنسان رؤياه ونهجه، لذا تعددت المعالجات بهذه المواضيع ، مما اضطر
الباحثون في مجالات العطاء الفني أن يضعوا هذه النتاجات تحت إطار (المدارس
الفنية).
نبذة عن بدايات الفن التشكيلي:-
استمر
الفن التشكيلى خلال عصور الفن المختلفة لمئات السنين كلغة بصرية تعتمد فى
الأساس على "الطبيعة الخارجية" كمصدر ومرجع للأفكار الفنية التشكيلية،
وكتقليد ثابت وموروث تقاس جودة الأعمال الفنية بالاقتراب منه وتوصف
بالضحالة كلما ابتعدت عنه.
حتى
أنه وصل الى تقليد ونقل غاية فى الدقة والإتقان المذهل لتفاصيل تفاصيل
الموجودات كما يظهر بوضوح فى أعمال فنانى ما قبل القرن العشرين من إبراز
لأدق صغائر الأشياء الحياتية مثال نسيج الأقمشة وتفاصيل الأرض والسقف
وتجاعيد الوجه وخصلات الشعر وغيرها. وربما يظهر ذلك بوضوح فى أعمال فنانين
مثل: "هانز هولبين" (1497 – 1543) و"فرانز هالز" (1580 – 1666) وحتى بعدها
بقليل مع"فانسنت فنجوخ" (1853 – 1890) صاحب المدرسة "التأثيرية" التى لم
تخرج من إطار الفن كتقليد يستلهم لوحاته من نماذج موجودة أمامه فى
الطبيعة: كلوحة "غرفة نومه" و"عباد الشمس" و"الحقول المختلفة" و"صوره
الشخصية" وغيرها...
وعند
الوصول إلى مشارف القرن العشرين بدا للفنانين حقيقة جديدة وهى أن ريشة
الفنان حينما تسجل الأشياء "بالعين" دون "الوجدان" فإنها حتما تنتهى إلى
مجرد عملية تسجيل تتفوق عليها الكاميرا وآلة السينما بلا منافس.
وحيث
أن الفنان هو فى الأصل إنسان لديه مشاعر ووجدان وردود أفعال ومواقف
متباينة فقد أصبح يعتمد على ذاتيته واعتبرها أساس جديد ومنهل صادق فى
التعبير والإبداع الفنى فى الفن التشكيلى.
وبعد أن كانت اللوحة هى "لقطة واقعية" أصبحت "فكرة إنطباعية".
وبعد ان كانت "رؤية بصرية" أصبحت "رؤية وجدانية".
ويستدل على ذلك بتجربة قام بها الباحثون على رسوم الأطفال:-
فقد
وضعوا طفلا أمام أطفال آخرين فى سن الثانية عشرة ليرسموه فلم يهتموا إلا
بالانطباع الأولى دون تدقيق ولوحظ أن عددا كبيرا منهم أخذوا يرسمون من
عقولهم وعند تحليل ما رسموه وجد أن عددا منهم رسموا زميلهم واقفا مع انه
كان جالسا ورسموه أيضا بوجه جانبى إلى اليسار وآخرين رسموه بوجه جانبى الى
اليمين والرسوم فى مجملها غلب عليها الطابع الرمزى أكثر منه الواقعى.
وبدا أن ما رسمه كل طفل هو فى الحقيقة المضمون الفكرى والوجدانى كما يظهر فى مخيلة كل منهم، وهو ما يطلق عليه "منطق الإدراك الكلى".
وهذا المبدأ مطبق بوضوح فى الفن المصرى القديم – والفن الفارسى – والفن المكسيكى القديم.
وقد بدأ الفن الحديث فى القرن العشرين باعتناقه كمدخل لكشف الحقيقة الفنية من منظور جديد.
لو رسمنا مثلا "المنضدة":
فاذا رسمناها وفقا للإدراك البصرى فسيظهر سطحها العلوى ووجهيها الأمامى والجانبى، أى ما نراه حين نطبق قاعدة المنظور.
أما
الطفل حين يرسمها بإدراكه الكلى فسوف يجمع بين السطح والجوانب المختلفة
والأرجل الأربعة فى صورة واحدة. وبحسب منطقه هو انه يرسم المنضدة بشكل
أكثر شمولا كما يراها حين يتحرك حولها.. لأن الحقيقة لديه قد برزت متعددة
الجوانب وكلها صحيحة.
ولهذا
تحرر الفنان "بيكاسو" من الإدراك الحسى البصرى فى رسمه للوجه من زاوية
واحدة، فرأيناه يرسم الوجه من أكثر من زاوية الأمام والجانب فى آن واحد،
وكانت تبدو هذه المحاولات غريبة وصادمة حين بدأها خاصة لأولئك الذين
تعودوا على الإدراك الحسى البصرى
أى مشاعر تلك التى ينقلها الفنان التشكيلى؟
أنها
بالتأكيد ليست كتلك المشاعر التى ينقلها لنا الشاعر أو الموسيقى أو
الراقص، لأن مشاعر الفنان التشكيلى تتعلق بمعانى الأشكال التى يرصها
ويحاورها وينظم بها تكوين عمله الفنى فوق سطح اللوحة.
ولهذه المشاعر "أدوات" تحركها و"قواعد" تنظمها و"لغة" تنطق بها و"معنى" يدل عليها.
ولو وصفنا طبيعة كل شكل ومعناه بشكل مستقل ومنفرد خارج نطاق اللوحة لكان ذلك وصفا جزئيا ومسطحا.
لأن الشكل يأخذ معناه وذاتيته وتأثيره من خلال السيناريو أو الإطار الموضوع فيه داخل العمل.
فمثلا
إذا تناولنا شكل "المقعد" منفردا وكذلك شكل "القمر" و"الرجل" و"النافذة"
لن يوحى لنا ذلك شيء يذكر لأنها خالية من المشاعر، وإنما عندما تترابط تلك
الأشكال داخل مسطح اللوحة وبإيقاع وألوان وتأثيرات خاصة يضع فيها الفنان
بصمته الذاتية، يطل المعنى والمضمون ويكتسب الشكل قيمته ويسهل للمتلقى
التعرف على أيديولوجية العمل الفنى، كيف يفكر الفنان وما هى فلسفته ورؤيته
الخاصة: وبهذا نرى المشهد متكامل.. وقد نشعر حينئذ أن "الرجل" الجالس فوق
"المقعد" أمام "النافذة" المطلة على "القمر" حزينا أو متأملا أو مفكرا أو
ساكنا الخ.. حسب الرسالة والمضمون الذى يقصده الفنان ويلخصه فى لحظة واحدة
مكثفة جامعا بين "الموضوعية" و"الذاتية".
وقد يفسر ذلك ما سبق وأشرنا إليه فى تعريف الحقيقة الفنية بأنها "ذاتية وموضوعية" فى آن واحد.
وما
يقع فيه طلبة الفنون من تضليل هو فى "الخديعة" التى يشعرون بها حينما
يفسرون العمل الفنى المعروض أمامهم من ذاوية "الموضوعية" الناقلة للواقع
الحرفى فقط دون أن يجتهدوا بوعى وتأمل للبحث عن انفعالات الفنان
"الذاتية"، فبصرف النظر عن محتويات العمل سواء هو جسم بشرى أو حيوان أو
آنية زهور، فانفعالات الفنان هى التى تشكل العلاقة والرسالة والانطباع
وتمثل رؤيته الذاتية والفريدة التى قد تختلف عن رؤية فنان آخر لنفس ذات
العناصر المستخدمة فى اللوحة.
فلكل فنان رؤية جمالية ذاتية.
ولكل فنان مدخل جديد للتعبير عن واقعه الخارجى.
نصل
بهذا أن الفن التشكيلى فى القرن العشرين أصبح أكثر وعيا بالحقيقة الفنية
وطبيعتها على أساس أنها ليست "تقليدا" للعالم الخارجى بقدر ما هى "أفكار"
و"انطباعات" و"إبداعات ذاتية"
ملخص من موضوع
لمحة عن الفن التشكيلى فى القرن العشرين
(بين التقليد والإبداع وبين الموضوعية والذاتية)